15 نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أن سؤال الميت أن يدعو ليس شركا أكبر

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: 


فقد حدث بين الأخوة من أهل السنة اختلاف في مسألة طلب الدعاء من الميت أثاره الحازمي ومن شابهه من شياطين الإنس وقد أدى إلى تكفير وتبديع بعضهم بعضا 

وهذا نكت مختصرة في المسألة وأردت في هذه الرسالة بيان مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة 

لكن أبين اختصارا وجهة نظر من يذهب إلى أنه بدعة وذريعة إلى الشرك فإنهم يقولون إن دعاء "ادع الله لي" ليس دعاء يختص الله به حتى يقال إن صرفه لغيره شرك بل هو بالعكس دعاء يختص به المخلوق إذ لا يقال لخالق السموات والأرض ادع الله لي 

ومثل هذا الدعاء ليس بعبادة بل هو طلب العبادة من الآخر

وقالوا إن الميت يسمع ما عند قبره كما دلت عليه الأدلة وإن الميت يقدر على دعاء الله كما جاء به الآثار فهذا دعاء الميت الذي يسمع فيما يقدر عليه فخرج من الشركية

وليس مطلق ما يصدق عليه أنه دعاء للميت عبادة له فلو كان مطلق الدعاء الميت عبادة له لكان دعاء النبي لأهل القليب عبادة لهم فهو دعاء بنص الحديث ولكان السلام على الموتى شركا لأنه دعاء لغة ولكان التلقين شركا إذ هو طلب من الميت أن يجيب عن أسئلة الملائكة 

لكن الدعاء الذي هو العبادة هو كما قال الآلوسي: " وقوله (أي ابن جرجيس) لو كان مطلق النداء والطلب عبادة إلخ مناد على جهله وغباوته إذ لم يقل (أي الشيخ المجدد) إن مطلق النداء والطلب يكون دعاء عبادة بل المعلوم بالبداهة أن دعاء العبادة هو النداء بما لا يقدر عليه إلا الله وطلب ذلك من حي وميت " تتمة منهاج التأسيس والتقديس

أما قولهم إن شرك المشركين الأوائل كان في اتخاذ الوسائط فليس مطلق اتخاذ الواسطة شركا فسؤال الحي أن يدعو اتخاذه واسطة لكنه ليس شركا باتفاق المسلمين والمشركون كان لهم وجه مخصوص في ذلك وهو أنهم قاسوا الله بملوك الأرض فأثبتوا له الوسائط والشفعاء فعبدوهم معاوضة أن يشفعوا لهم عند الله وهذه الشفاعة في اعتقادهم بغير الإذن والرضى وقد أبطلها القرآن وأثبت الشفاعة بالإذن والرضى وسيأتي في كلام ابن تيمية

وهذا منصوص عليه في القرآن قال تعالى: " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"

وقال: " وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ "

فمن أثبت الوسائط بهذا الوجه فهو كافر باتفاق المسلمين وليس في طلب الدعاء من الحي والميت بمجرده إثبات هذه الوجه ولأنه ليس بعبادة فلو كان مجرد طلب الدعاء دليلا على إثبات هذا الوجه لكان كذلك في الحي وهذا باطل بالاتفاق

أما قولهم إن ابن تيمية نقل الإجماع على أن اتخاذ الوسائط شرك فكلامه مأخوذ من رسالة الواسطة فسترى نقله بالكامل وسترى القيود التي أسقطوها!

قال ابن تيمية: " مَنْ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَسَائِطَ يَدْعُوهُمْ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ وَيَسْأَلُهُمْ جَلْبَ الْمَنَافِعِ وَدَفْعَ الْمَضَارِّ مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ غُفْرَانَ الذَّنْبِ وَهِدَايَةَ الْقُلُوبِ وَتَفْرِيجَ الْكُرُوبِ وَسَدَّ الفاقات : فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ " الفتاوى 1/124

فما علاقة بين هذه الصورة وبين ما نحن فيه؟!

ثم إن ابن تيمية نفسه نقل الخلاف في جواز ذلك ونسب القول بالجواز لبعض الأئمة ويقصد به المتأخرين كابن قدامة وابن عقيل وأمثالهما ممن غلط في المسألة

قال: "" وهكذا أهل الزيارات البدعية، منهم من يطلب من المزور دعاءه وسؤاله لربه، واستغفاره، واستنصاره، ودعاءه له بالرزق، وشفاعته، ونحو ذلك، وهذا وإن كان قد ذكر بعضه طائفة من العلماء، وجعلوا قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] يتناول من يأتيه بعد الموت، فيطلب منه الاستغفار له، كما كان أصحابه يطلبون منه الاستغفار في حياته، وذكروا في ذلك حكاية لبعض الأعراب، ومنامًا رآه العتبي، وقيل: بل رآه محمد بن حرب الهلالي، وهم مختلفون في الشعر المذكور فيها، فجمهور الأئمة لم يستحبوا ذلك، وإنما ذكره بعض أصحابهم، ولم يكن الصحابة يفعلون مثل هذا، ولا هو أيضًا معروف عن التابعين"

فكيف ينقل الإجماع على أنه شرك ثم ينقل الخلاف في جوازه؟! ولا شك أن من أجاز ذلك فقد أبطل لكن ليس هذا بالمقصود هنا

وننبه قبل الشروع في المقصود على أن أثر مالك الدار الذي اعتمده أصحاب القول بالجواز ضعيف الأسناد وفي بعض رواياته أن النبي أمر الأعرابي بصلاة الاستقاء وليس فيه دعاء النبي أن ينزل المطر إنما فيه سؤال النبي أن يدعو الله به وهذا ليس شركا لكنه غير مشروع وقد أرشد النبي السائل إلى الوسيلة المشروعة الاستسقاء فليس للمجوزين في الأثر حجة

ولذلك رواه من رواه من الأئمة كابن أبي شيبة وغيره لأنه ليس فيه شرك 


النقل الأول

قال شيخ الإسلام: وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ . وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ : – إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ فَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي . وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ . وَالْمُسْتَغِيثُ بِالْمَخْلُوقَاتِ قَدْ يَقْضِي الشَّيْطَانُ حَاجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا وَقَدْ يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي صُورَةِ الَّذِي اسْتَغَاثَ بِهِ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ كَرَامَةٌ لِمَنْ اسْتَغَاثَ بِهِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ دَخَلَهُ وَأَغْوَاهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الشَّيْطَانُ فِي الْأَصْنَامِ وَفِي الْمَصْرُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا وَاقِعٌ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِهِ وَأَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ فِي قَوْمٍ اسْتَغَاثُوا بِي أَوْ بِغَيْرِي وَذَكَرُوا أَنَّهُ أَتَى شَخْصٌ عَلَى صُورَتِي أَوْ صُورَةِ غَيْرِي وَقَضَى حَوَائِجَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَرَكَةِ الِاسْتِغَاثَةِ بِي أَوْ بِغَيْرِي وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَضَلَّهُمْ وَأَغْوَاهُمْ وَهَذَا هُوَ أَصْلُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَاِتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِقَبْرِهِ وَيُصَلِّيَ إلَيْهِ وَيَرَى الصَّلَاةَ أَفْضَلَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : هَذِهِ قِبْلَةُ الْخَوَاصِّ وَالْكَعْبَةُ قِبْلَةُ الْعَوَامِّ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى السَّفَرَ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ حَتَّى يَقُولَ إنَّ السَّفَرَ إلَيْهِ مَرَّاتٌ يَعْدِلُ حَجَّةً وَغُلَاتُهُمْ يَقُولُونَ : الزِّيَارَةُ إلَيْهِ مَرَّةً أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْبَيْتِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا شِرْكٌ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي بَعْضِهِ
 الثَّانِيَةُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ : اُدْعُ اللَّهَ لِي أَوْ اُدْعُ لَنَا رَبَّك أَوْ اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ ؛ وَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ جَائِزًا وَمُخَاطَبَتُهُمْ جَائِزَةً كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ .. 

الثَّالِثَةُ أَنْ يُقَالَ : أَسْأَلُك بِفُلَانِ أَوْ بِجَاهِ فُلَانٍ عِنْدَك وَنَحْوِ ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ . ."

ولا يقال إن البدعة هنا بدعة مكفرة فشيخ الإسلام جعل البدعة مقابلة للشرك في موضع بيان المراتب وحكم كل مرتبة 


النقل الثاني

قال شيخ الإسلام: " وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُهُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: إحْدَاهَا: أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ أَوْ مَرَضَ دَوَابِّهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ أَوْ يُعَافِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَدَوَابَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَإِنْ قَالَ أَنَا أَسْأَلُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِهِ كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ فَهَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ شُفَعَاءَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ فِي مَطَالِبِهِمْ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى} وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ} فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ. فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ: إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " {لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ} فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يُكْرِهُهُ أَحَدٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ كَمَا قَدْ يُكْرِهُ الشَّافِعُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ وَكَمَا يُكْرِهُ السَّائِلُ الْمَسْئُولَ إذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ وَآذَاهُ بِالْمَسْأَلَةِ. فَالرَّغْبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} وَالرَّهْبَةُ تَكُونُ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إجَابَةِ دُعَائِنَا وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الضُّلَّالِ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنِّي وَأَنَا بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَدْعُوَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا بَلْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ} وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَمُنَاجَاتِهِ وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى} . ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْمُشْرِكِ أَنْتَ إذَا دَعَوْت هَذَا فَإِنْ كُنْت تَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِك وَأَقْدَرُ عَلَى عَطَاءِ سُؤَالِك أَوْ أَرْحَمُ بِك فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَكُفْرٌ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ وَأَرْحَمُ فَلِمَ عَدَلْت عَنْ سُؤَالِهِ إلَى سُؤَالِ غَيْرِهِ؟ أَلَا تَسْمَعُ إلَى مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ: إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ: إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ - قَالَ - وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ} أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ. وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْك فَهَذَا حَقٌّ؛ لَكِنْ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْك فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُثِيبَهُ وَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيك لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّك إذَا دَعَوْته كَانَ اللَّهُ يَقْضِي حَاجَتَك أَعْظَمَ مِمَّا يَقْضِيهَا إذَا دَعَوْت أَنْتَ اللَّهَ تَعَالَى: فَإِنَّك إنْ كُنْت مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ - مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ - فَالنَّبِيُّ وَالصَّالِحُ لَا يُعِينُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَلَا يَسْعَى فِيمَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ. وَإِنْ قُلْت: هَذَا إذَا دَعَا اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ أَعْظَمَ مِمَّا يُجِيبُهُ إذَا دَعَوْته. 

فَهَذَا هُوَ " الْقِسْمُ الثَّانِي " وَهُوَ أَلَّا تَطْلُبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَلَا تَدْعُوَهُ وَلَكِنْ تَطْلُبُ أَنْ يَدْعُوَ لَك. كَمَا تَقُولُ لِلْحَيِّ: اُدْعُ لِي وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ فَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الْحَيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْمَيِّتُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُشْرَعْ لَنَا أَنْ نَقُولَ: اُدْعُ لَنَا وَلَا اسْأَلْ لَنَا رَبَّك وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْدَبُوا زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ وَلَمْ يَجِيئُوا إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَائِلِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ لَنَا وَاسْتَسْقِ لَنَا وَنَحْنُ نَشْكُو إلَيْك مِمَّا أَصَابَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كَانُوا إذَا جَاءُوا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَرَادُوا الدُّعَاءَ لَمْ يَدْعُوَا اللَّهَ مُسْتَقْبِلِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ بَلْ يَنْحَرِفُونَ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا يَدْعُونَهُ فِي سَائِرِ الْبِقَاعِ.. 

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَقُولُ : اللَّهُمَّ بِجَاهِ فُلَانٍ عِنْدَك أَوْ بِبَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ بِحُرْمَةِ فُلَانٍ عِنْدَك : افْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا . فَهَذَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مَا أَحْكِيهِ ؛ إلَّا مَا رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ . فَإِنَّهُ أَفْتَى : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ؛ إلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"

اللمعة في الأجوبة السبعة 31-47

فقد بين شيخ الإسلام في هذا النقل أن الاستغاثة بالموتى فيما لا يقدر عليه إلا الله والاستشفاع بهم على وجه القياس بين الملك ورعيته شرك أكبر بين صريح وجعل مقابله القسم الثاني هو طلب الدعاء من صاحب القبر عند قبره وحكم عليه بالبدعة


النقل الثالث

قال شيخ الإسلام: "وهذه الأمور المبتدعة من الأقوال هي مراتب أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت حاجة أو يستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس بكثير من الأموات وهو من جنس عبادة الأصنام ولهذا تتمثل لهم الشياطين على صورة الميت أو الغائب كما كانت تتمثل لعبادة الأصنام بل أصل عبادة الأصنام إنما كانت من القبور كما قال ابن عباس و غيره وقد يرى أحدهم القبر قد انشق و خرج منه الميت فعانقه أو صافحه أو كلمه ويكون ذلك شيطانا تمثل على صورتة ليضله وهذا يوجد كثيرا عند قبور الصالحين و أما السجود للميت أو للقبر فهو أعظم و كذلك تقبيله المرتبة الثانية أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب أو أنه أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت فيقصد زيارتة لذلك أو للصلاة عنده أو لأجل طلب حوائجه (عنده) فهذا أيضا من المنكرات المبتدعة باتفاق أئمة المسلمين وهي محرمة وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين المرتبة الثالثة أن يسأل صاحب القبر أن يسأل الله له وهذا بدعة باتفاق أئمة المسلمين"

الرد على البكري 1/146


النقل الرابع

قال ابن القيم: "قال شيخنا وهذه الأمور المبتدعة عند القبور مراتب، أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت حاجته ويستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس -قال- وهؤلاء من جنس عباد الأصنام، ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب كما يتمثل لعباد الأصنام، وهذا يحصل للكفار من المشركين وأهل الكتاب، يدعو أحدهم من يعظمه فيتمثل له الشيطان أحيانا وقد يخاطبه ببعض الأمور الغائبة، وكذا السجود للقبر والتمسح به وتقبيله. المرتبة الثانية: أن يسأل الله به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين وهو بدعة باتفاق المسلمين . الثالثة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد زيارته والصلاة عنده لأجل طلب حوائجه، فهذا أيضا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين وهي محرمة، وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك" 

تأسيس التقديس 150

فقد كرر شيخ الإسلام تفصيله هذا مرارا وتكرارا فحكم على هذا الفعل بالبدعة في موضع بيان الحكم مع حكمه على غيره بالشرك الصريح فتأمل


النقل الخامس

قال شيخ الإسلام: " وقد حدث من بعض المتأخرين في ذلك بدع لم يستحبها أحد من الأئمة الأربعة كسؤاله الاستغفار. وزاد بعض جهال العامة ما هو محرم أو كفر بإجماع المسلمين كالسجود للحجرة والطواف بها وأمثال ذلك مما ليس هذا موضعه"

الرد على الأخنائي 354


النقل السادس

قال شيخ الإسلام: "حتى لأقوام فيهم زهد وعبادة ودين ترى أحدهم يستغيث بمن يحسن به الظن حيا كان أو ميتا وكثير منهم تتمثل له صورة المستغاث به وتخاطبه وتقضي بعض حوائجه وتخبره ببعض الأمور الغائبة ويظن الغر أنه المستغاث به أو أن ملكا جاء على صورته وإنما هي شياطين تمثلت له به وخيالات باطلة فتراه يأتي قبر من يحسن به الظن إن كان ميتا فيقول يا سيدي فلان أنا في حسبك أنا في جوارك أنا في جاهك قد أصابني كذا وجرى على كذا ومقصوده قضاء حاجته إما من الميت أو به ومنهم من يقول للميت اقض ديني واغفر ذنبي وتب على ومنهم من يقول سل لي ربك ومنهم من يذكر ذلك في نظمه ونثره ومنهم من يقول يا سيدي الشيخ فلان أو يا سيدي رسول الله نشكو إليك ما أصابنا من العدو وما نزل بنا من المرض وما حل بنا من البلاء ومنهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه وإن لم يذكرها وأنه يقدر على غفرانها وقضاء حوائجه ويقدر على ما يقدر عليه الله ويعلم ما يعلمه الله وهؤلاء قد رأيتهم وسمعت هذا منهم ومن شيوخ يقتدي بهم ومفتين وقضاة ومدرسين ومعلوم أن هذا لم يفعله أحد من السلف ولا شرع الله ذلك ولا رسوله ولا أحد من الأئمة ولا مع من يفعل ذلك حجة شرعية أصلا بل من فعل ذلك كان شارعا من الدين ما لم يأذن به الله فإن هذا الفعل منه ما هو كفر صريح ومنه ما هو منكر ظاهر سواء قدر أن الميت يسمع الخطاب كما إذا خوطب من قريب أو قدر أنه لا يسمعه كما إذا خوطب من بعيد فإن مجرد سماع الميت للخطاب لا يستلزم أنه قادر على ما يطلب الحي منه وكونه قادرا عليه لا يستلزم أنه شرع لنا أن نسأله ونطلب منه كل ما يقدر عليه" 

الرد على البكري ص. 95

فقسم هذه الأفعال إلى ما هو منكر ظاهر وما هو شرك صريح وهؤلاء يقولون إنه كله شرك صريح ثم ينسبون قولهم لشيخ الإسلام


النقل السابع

قال شيخ الإسلام: " وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فِي قُبُورِهِمْ وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ وَإِنْ وَرَدَتْ بِهِ آثَارٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ بِخِلَافِ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ ""
القاعدة الجليلة 770

فجعله ذريعة إلى الشرك والذريعة في التعريف الشرعي ما ظاهره مباح لكن مُنع لإجل إفضائه إلى محرم غالبا والأصل أن الذريعة إلى الشيء لا يكون هذا الشيء ويفارقه في الحكم فليتأمل


النقل الثامن

قال شيخ الإسلام: " فَمَنْ رَأَى نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَ لَهُ " اُدْعُ لِي " لَمْ يُفْضِ ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ دَعَاهُ فِي مَغِيبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ بِهِ كَمَا قَدْ وَقَعَ فَإِنَّ الْغَائِبَ وَالْمَيِّتَ لَا يَنْهَى مَنْ يُشْرِكُ بَلْ إذَا تَعَلَّقَتْ الْقُلُوبُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ فَدَعَا وَقَصَدَ مَكَانَ قَبْرِهِ أَوْ تِمْثَالِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ"

الفتاوى 1/179


النقل التاسع

قال شيخ الإسلام في سياق كلامه عن هذه المسألة: " ولا ريب أن النبي صلى الله عليه و سلم بل ومن هو دونه حي يسمع كلام الناس ..لكن في مسألتهم أنواع من المفاسد منها إيذاؤهم له بالسؤال ومنها إفضاء ذلك إلى الشرك وهذه المفسدة توجد معه بعد الموت دون الحياة فإن أحدا من الأنبياء و الصالحين لم يعبد في حياته إذ هو ينهى عن ذلك و أما بعد الموت فهو لا ينهى فيفضي ذلك إلى اتخاذ قبره وثنا يعبد ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لا تتخذوا قبري عيدا وقال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"
الرد على البكري 454


النقل العاشر

قال شيخ الإسلام: "وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ : يَنْهَى أَنْ يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَذَا شِرْكٌ أَوْ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ ؛ بِخِلَافِ مَا يُطْلَبُ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالشَّفَاعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ" 
الفتاوى 1/179

فجعل دعاء الموتى قسمين شرك وذريعة إلى الشرك وقد بين فيما سبق نقله ما هو شرك وما هو ذريعة والقوم يجعله كله قسما واحدا فيكفرون من خالفهم!


النقل الحادي عشر

قال شيخ الإسلام في سياق كلامه عن هذه المسألة: " ومع هذا فلا يجوز لأحد أن يدعو الملائكة ولا يستغيث بهم ولا يطلب منهم ما أخبر الله به أنهم يفعلونه فإنها ذريعة إلى دعائهم من دون الله و الإشراك بهم و كذلك دعاء الموتى من الأنبياء و الصالحين ذريعة إلى ذلك بخلاف سؤال أحدهم في حياته و حضوره فإن ذلك لا يفضي إلى عبادته من دون الله لأنه لو رأى أحدا يفعل ذلك نهاه إذ الأنبياء و الصالحون لا يقرون أحدا على الشرك مع قدرتهم على نهيه و إنما يعبد أحدهم بعد موته"

الرد على البكري 1/244


النقل الثاني عشر

قال شيخ الإسلام: " حتى إنه إذا قدر أن الله تعالى يكلفهم بأعمال يعملونها بعد الموت لم يلزم من ذلك جواز دعائهم كما لا يجوز دعاء الملائكة و إن كان الله وكلهم بأعمال يعملونها لما في ذلك من الشرك والذريعة إلى الشرك "

الرد على البكري 498


النقل الثالث عشر

قال شيخ الإسلام: " وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا قَبْرِ الْخَلِيلِ وَلَا قَبْرِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَيَقُولُ : نَشْكُو إلَيْك جَدْبَ الزَّمَانِ أَوْ قُوَّةَ الْعَدُوِّ أَوْ كَثْرَةَ الذُّنُوبِ وَلَا يَقُولُ : سَلْ اللَّهَ لَنَا أَوْ لِأُمَّتِك أَنْ يَرْزُقَهُمْ أَوْ يَنْصُرَهُمْ أَوْ يَغْفِرَ لَهُمْ ؛ بَلْ هَذَا وَمَا يُشْبِهُهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَتْ وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ "
مجموع الفتاوى 1/162


النقل الرابع عشر

قال شيخ الإسلام: "وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم )) الآية فهو والله أعلم باطل ، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلم ، ولم يذكر أحد منهم أنه يستحب أن يسأل بعد الموت لا استغفاراً ولا غيره وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله يتنافى هذا ، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية وأنشد بيتين : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طبيهن القاع والأكم نفس الغداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً ، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم ، بل قضاء الله حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله ولها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع ، وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعاً مأموراً به ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلاً ، وتكون المسألة محرمة في حق السائل حتى قال : ((إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها ناراً )) قالوا : يا رسول الله فلم تعطيهم ؟ قال : (( يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل )).وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحاً ولا يكون عالماً أنه منهي عنه فيثاب على حسن قصده ، ويعفى عنه لعدم علمه ،وهذا باب واسع وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس يحصل له بها نوع من الفائدة ، وذلك لا يدل على أنها مشروعة ، ولو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهى عنها ، ثم الفاعل قد يكون متأولاً ،أو مختطئاً ، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع" 
الصارم المنكي 265

وهذا النقل يقطع الجدال من أصله فإننا لو وافقنا القوم على أنه شرك أكبر عند ابن تيمية فالشرك الأكبر قد يكون صريح في عبادة غير الله وتأله الغير فهذا لا يعذر فيه أحد وقد يكون خفيا 

فابن تيمية يقول إن الإنسان قد يثاب عليه فهل ابن تيمية يقول إن من أشرك شركا صريحا يكن مثابا عليه؟! إذا فليس هذا الفعل عند بشرك صريح ثم سواء سمي بدعة أو سمي شركا خفيا فليس بينه وبينه كبير فرق

النقل الخامس عشر

قال شيخ الإسلام: "ومعلوم أن هذا لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم / ولا سَنَّهُ لأمته، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا غيره من الأئمة، فكيف يجوز أن ينسب إلى مالك مثل هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل لا يعرف الأدلة الشرعية ولا الأحكام المعلومة بأدلتها الشرعية، مع علو قدر مالك وعظم فضيلته وإمامته، وتمام رغبته في اتباع السنة وذم البدع وأهلها؟ وهل يأمر بهذا أو يشرعه إلا مبتدع؟"

وقد قال المخالفون في هذه المسألة إن البدعة هنا قد يكون بدعة مكفرة والجواب من وجوه: 

1. شيخ الإسلام سماه بدعة في موضع بيان مراتب المخالفة للشرع في الدعاء وحكم كل مرتبة فجعل القسم شركا والقسم بدعة والقسم محرما اختلف فيه

فالبدعة هنا تقابل الشرك ولا تندرج تحته

2. أن شيخ الإسلام جعل من أخطأ في ذلك وسوغه إماما في الدين إذ قال: " وهكذا أهل الزيارات البدعية، منهم من يطلب من المزور دعاءه وسؤاله لربه، واستغفاره، واستنصاره، ودعاءه له بالرزق، وشفاعته، ونحو ذلك، وهذا وإن كان قد ذكر بعضه طائفة من العلماء، وجعلوا قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] يتناول من يأتيه بعد الموت، فيطلب منه الاستغفار له، كما كان أصحابه يطلبون منه الاستغفار في حياته، وذكروا في ذلك حكاية لبعض الأعراب، ومنامًا رآه العتبي، وقيل: بل رآه محمد بن حرب الهلالي، وهم مختلفون في الشعر المذكور فيها، فجمهور الأئمة لم يستحبوا ذلك، وإنما ذكره بعض أصحابهم، ولم يكن الصحابة يفعلون مثل هذا، ولا هو أيضًا معروف عن التابعين"

فجعل من استحبه الأقلية من الأئمة فكيف يكون مشرك شركا صريحا إماما في الدين عنده؟

وليس هناك اختلاف بين هذا النص وبين نصوص أخرى يقول فيه إن هذا الفعل لم يستحبه أحد من الأئمة فهناك يتكلم عن السلف أهل الإجماع والاختلاف وهنا عمم واعتبر متأخري الأئمة أمثال ابن قدامة رحمه الله

3. أن شيخ الإسلام رتب الأجر على الخطئ فيه فلو كان عنده شركا أكبر بينا لما تلكم به

4. جعل دعاء الميت منه ما هو شرك ومنه ما هو ذريعة إلى الشرك أو منه ما هو شرك صريح ومنه ما هو منكر ظاهر والقوم لا يوافقونه على هذا التقسيم فيقولون إنه كله شرك صريح ثم يزعمون إن ابن تيمية موافق لهم 

والمعروف أن قسيم الشيء هو ما يكون مقابلاً للشيء ومندرجاً معه تحت شيء أخر، كالاسم، فإنه مقابل للفعل ومندرجان تحت شيء آخر، وهي الكلمة

فإذا قال الإمام إن منه ما هو شرك صريح ومنه ما هو منكر ظاهر فجعل الأول قسيم الثاني وكلاهما غير قسيمه ويندرج مع قسيمه تحت جملة دعاء الأموات

وهذا بين والحمد لله

5. قال شيخ الإسلام: "وَالذَّرِيعَةُ مَا كَانَ وَسِيلَةً وَطَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ" والأصل أنه غير الشيء 

وقد سمى تجصيص القبور والبناء عليها والصلاة عندها ذريعة إلى الشرك ولم يعرف عن أحد من علماء المسلمين القول بأن هذه الأمور شرك أكبر

أما ما استدلوا به من نصوص شيخ الإسلام وفهموا منها أنه شرك أكبر فالجواب عليها من وجوه: 

1. قد نقول كما قلتم آنفا أن كونه شركا لا يخالف كونه بدعة غير مخرجة من الملة فإن كل بدعة شرك في التشريع ومع ذلك فلم يقل أحد من علماء المسلمين أن كل بدعة تخرج صاحبه من الملة

قال الله: " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"

قال الإمام الدشتي الحنبلي: " ومن شرع شرعا لم يأذن به فهو صاحب الشرك لأن اتباع الشرع عبادة"

قال ابن تيمية: " فمن دان دينا لم يأمر الله ورسوله به فهو مبتدع بذلك وهذا معنى قوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "

وهذا الجواب فيه ضعف ظاهر فإن الشرك إذا أطلق حمل على حقيقته لكن جوابكم عن قوله بأنه بدعة أن بدعة قد تكون مكفرة أضعف منه فنعاملكم بالمثل وإلا فلا ندين بهذا

2. هب أنه من الشرك لكن الشرك قد يكون خفيا وظاهرا وهو عند ابن تيمية من الشرك الخفي بدليل أنه جعل للمخطئ فيه أجرا على حسن قصده وسمى من جوزه أئمة وجعله دون مرتبة الشرك الأكبر الصريح مثل دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله

3. كلام شيخ الإسلام الذي تستدلون به مطلق تقبل التقييد وقد قيده في مواضع فقد قال في الأخنائي: " ولا عند الذي غلا فيه وأشرك به واتخذه ندًّا لله يحبه كحب الله واتخذه شفيعًا يظن أنه إذا استشفع به يشفع له بغير إذن

وقد بين شيخ الإسلام في مواضع كثيرة ما هو شرك الوسائط 

قال في رسالة الواسطة: " وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه ـ كالحجاب الذين بين الملك ورعيته ـ بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدى عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم، أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج. فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.

وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادا وفى القرآن من الرد على هؤلاء، ما لم تتسع له هذه الفتوى.

فإن الوسائط التى بين الملوك وبين الناس، يكونون على أحد وجوه ثلاثة:

الوجة الأول: إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه. ومن قال: إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر، بل هو ـ سبحانه ـ يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] . يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين. 

الوجه الثانى: أن يكون الملك عاجزًا عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه ـ إلا بأعوان يعينونه ـ فلابد له من أنصار وأعوان، لذله وعجزه. والله ـ سبحانه ـ ليس له ظهير، ولا ولى من الذل، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي لسَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} [سبأ: وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ َكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] .وَكُلُّ مَا فى الوجود من الأسباب فهو خالقه، وربه ومليكه، فهو الغنى عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم ـ فى الحقيقة ـ شركاؤهم فى الملك. والله ـ تعالى ـ ليس له شريك فى الملك، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير. 

والوجه الثالث: أن يكون الملك ليس مريدًا لنفع رعيته، والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج. فإذا خاطب الملك من ينصحه، ويعظمه، أو من يدل علىه، بحيث يكون يرجوه ويخافه، تحركت إرادة الملك وهمته، فى قضاء حوائج رعيته، إما لما حصل فى قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه. والله ـ تعالى ـ هو رب كل شىء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض، فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك، فهو الذى خلق ذلك كله، وهو الذى خلق فى قلب هذا المحسن الداعى الشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة، ولا يجوز أن يكون فى الوجود من يكرهه على خلاف مراده، أو يعلمه ما لم يكن يعلم، أو من يرجوه الرب ويخافه. ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم: " لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لى إن شئت، اللهم ارحمنى إن شئت، ولكن ليعزِم المسألة، فإنه لا مكره له والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه، كما قال: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، وقال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23] . فَبَيَّنَ أنَّ كُلَّ من دعى من دونه ليس له ملك ولا شرك فى الملك، ولا هو ظهير، وأن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له. وهذا بخلاف الملوك، فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك، وقد يكون شريكًا لهم فى الملك، وقد يكون مظاهرًا لهم معاونا لهم على ملكهم، وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك هم وغيرهم، والملك يقبل شفاعتهم، تارة بحاجته إليهم، وتارة لخوفه منهم، وتارة لجزاء إحسانهم إليه ومكافأتهم ولإنعامهم عليه، حتى إنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك، فإنه محتاج إلى الزوجة وإلى الولد، حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك، ويقبل شفاعة مملوكه فإذا لم يقبل شفاعته، يخاف ألا يطيعه، أو أن يسعى فى ضرره، وشفاعة العباد بعضهم عند بعض، كلها من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة ،. والله ـ تعالى ـ لا يرجو أحدًا، ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغنى قال تعالى: {أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [يونس: 66] .إلى 68 إلى قوله: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} والمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة، قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]"

وقال في القاعدة الجليلة: " الشفاعة التي أثبتها أهل الشرك، ومن شابههم من أهل البدع، من أهل الكتاب والمسلمين، الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه، كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة الشافع لحاجته إليه رغبة ورهبة، كما يعامل المخلوقُ المخلوق بالمعاوضة.

 فالمشركون كانوا يتخذون من دون الله شفعاء من الملائكة والأنبياء والصالحين، ويصورون تماثيلهم فيستشفعون بها ويقولون: هؤلاء خواص الله، فنحن نتوسل إلى الله بدعائهم وعبادتهم ليشفعوا لنا، كما يُتوَسل إلى الملوك بخواصِّهم لكونهم أقرب إلى الملوك من غيرهم، فيشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك، وقد يشفع أحدهم عند الملك فيما لا يختاره فيحتاج إلى إجابة شفاعته رغبة ورهبة. فأنكر الله هذه الشفاعة فقال تعالى (2: 255): {مَنْ ذا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بإذْنه}، "

وقال في الرد على البكري: " وأصل ضلال المشركين أنهم ظنوا أن الشفاعة عند الله كالشفاعة عند غيره وهذا أصل ضلال النصارى أيضا قال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون وأمثال هذا في القرآن كثير فمن ظن أن الشفاعة المعهودة من الخلق للخلق تنفع عند الله مثل أن يشفع الإنسان عند من يرجوه المشفوع إليه أو يخافه كما يشفع عند الملك ابنه أو أخوه أو أعوانه أو نظراؤه الذين يخافهم أو يرجوهم فيجب سؤالهم لأجل رجائه وخوفه منهم فيمن يشفعون به عنده وإن كان الملك أو الأمير أو غيرهما يكره الشفاعة فيمن شفعوا فيه فيشفعهم فيه على كراهة منه ويشفعون عنده أيضا بغير إذنه فالله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وخالقه فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ولا يشفع أحد في أحد إلا لمن أذن الله للشفيع أن يشفع فيه فإذا أذن للشفيع شفع وإن لم يسأله الشفيع ولو سأل الشفيع الشفاعة ولهم يأذن الله له لم تنفع شفاعته كما لم تنفع شفاعة نوح في ابنه"

وقال شيخ الإسلام في القاعدة العظيمة: " وقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] فهذه الشفاعة التي كان المشركون يثبتونها أبطلها القرآن في غير موضع، وهي كشفاعة المخلوق عند المخلوق بغير إذنه، فإن هذا الشافع شريك للمشفوع إليه، فإنه طلب منه ما لم يكن يريد أن يفعله، فيحتاج لقضاء حق الشفيع أن يفعله، فالشفيع بغير إذن المشفوع إليه شريك له، والله تعالى لا شريك له، ولهذا قال: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] فلو شفع أحد بغير إذنه شفاعة نافعة مقبولة كان شريكًا له، وهو سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وهذا من وجهين: أحدهما: أنه هو الذي يخلق أفعال العباد، فلا يفعل أحد شيئًا إلا بمشيئته.والثاني: وهو المقصود: أن الملائكة، والأنبياء، لا يشفعون عنده إلا بإذنه، فلا تكون شفاعتهم مقبولة نافعة إلا إذا كانت بإذنه، وما وقع بغير إذنه لم يقبل، ولم ينفع، وإن كان الشفيع عظيمًا، فالكفار، والمنافقون، لا يغفر لهم ولو استغفرت لهم الأنبياء"

فكل ما ورد في كلامه من حكمه على الاستشفاع بالمخلوق بالشرك فإنه يحمل على هذه الصورة ويقيد بها حتى لا يتناقض كلامه ويستقيم مسلكه

أو يحمل على دعاء الميت أن يدعو من بعد فإن فيه إثبات سماعه كسمع الله تعالى


قال ابن عبد الهادي: "مع أنا قد بينا صحة معناه (الحديث الذي فيه أن النبي يسمع سلام القريب ويبلغ سلام البعيد) بأحاديث أخر ، وهو لو كان صحيحاً فإنما فيه أنه يبلغ صلاة من صلى نائباً ، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما قد وجدته منقولاً عن هذا المعترض ، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم ، ولا يعرف في شيء من الحديث ، إنما بقوله بعض الجهال يقولون : إنه يوم الجمعة وليلة الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من صلى عليه ، فالقول : بأنه يسمع ذلك من نفس المصلي باطل ، وإنما في الأحاديث المعروفة أنه يبلغ ذلك ويعرض عليه ، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة ، وقول القائل : إنه يسمع الصلاة من بعيد ممتنع ، فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه ، فهذه مكابرة ، وإن أراد إنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من البعد ، فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم ، قال تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } (الزخرف 080) وقال : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } (المجادلة 007) إلى قوله تعالى : { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (المجادلة 010) وليس أحد من البشر ، بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم ، ومن قال هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى ، الذين يقولون إن المسيح هو الله ، وإنه يعلم ما يفعله العباد ، ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم " ولشيخ الإسلام مثل هذا الكلام لكن نسيت موضعه في كتبه


وهذا بالاختصار وإلا فالموضوع يستحق الأكثر والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



هل أعجبك الموضوع ؟

هناك تعليق واحد:

  1. حفظك الله وزادك من علمه، هكذا يكون العلم، بلا تقليد؛ حتّى وإن خالفت النتيجة المشهور عن المشايخ

    ردحذف

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مدونة أبي موسى الروسي